فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قرئ {من أجل ذلك} بحذف الهمزة وفتح النون لالقاء حركتها عليها وقرأ أبو جعفر {من أجل ذلك} بكسر الهمزة، وهي لغة، فإذا خفف كسر النون ملقيًا لكسر الهمزة عليها. اهـ.

.قال القرطبي:

وقرأ يزيد بن القَعْقَاع أبو جعفر: {مِنْ أَجْلِ ذلك} بكسر النون وحذف الهمزة وهي لغة، والأصل {مِنْ أَجْلِ ذلك} فألقيت كسرة الهمزة على النون وحذفت الهمزة.
ثم قيل: يجوز أن يكون قوله: {مِنْ أَجْلِ ذلك} متعلقًا بقوله: {مِنَ النادمين} فالوقف على قوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}.
ويجوز أن يكون متعلقًا بما بعده وهو {كَتَبْنَا}.
ف {مِنْ أَجْلِ} ابتداء كلام والتمام {مِنَ النادمين}؛ وعلى هذا أكثر الناس؛ أي من سبب هذه النازلة كتبنا.
وخَصَّ بني إسرائيل بالذكر وقد تقدمتهم أُمم قبلهم كان قتل النفس فيهم محظورًا لأنهم أوّل أُمّة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس مكتوبًا، وكان قبل ذلك قولًا مطلقًا؛ فغلظ الأمر على بني إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء.
ومعنى {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي بغير أن يقتل نفسًا فيستحق القتل.
وقد حرم الله القتل في جميع الشرائع إلا بثلاث خصال: كفر بعد إيمان، أو زنًى بعد إحصان، أو قتل نفس ظلمًا وتعدّيا. اهـ.

.قال الفخر:

قال القائلون بالقياس: دلت الآية على أن أحكام الله تعالى قد تكون معللة بالعلل، وذلك لأنه تعالى قال: {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل} كذا وكذا، وهذا تصريح بأن كتبة تلك الأحكام معللة بتلك المعاني المشار إليها بقوله: {مِنْ أَجْلِ ذلك} والمعتزلة أيضًا قالوا: دلت هذه الآية على أن أحكام الله تعالى معللة بمصالح العباد، ومتى ثبت ذلك امتنع كونه تعالى خالقًا للكفر والقبائح فيهم مريدًا وقوعها منهم، لأن خلق القبائح وإرادتها تمنع من كونه تعالى مراعيًا للمصالح.
وذلك يبطل التعليل المذكور في هذه الآية.
قال أصحابنا: القول بتعليل أحكام الله تعالى محال لوجوه: أحدها: أن العلة إن كانت قديمة لزم قدم المعلول، وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلة أخرى ولزم التسلسل، وثانيها: لو كان معللًا بعلة فوجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إلى الله تعالى إن كان على السوية امتنع كونه علة، وإن لم يكن على السوية فأحدهما به أولى، وذلك يقتضي كونه مستفيدًا تلك الأولوية من ذلك الفعل، فيكون ناقصًا لذاته مستكملًا بغيره وهو محال.
وثالثها: أنه قد ثبت توقف الفعل على الوداعي، ويمتنع وقوع التسلسل في الدواعي، بل يجب انتهاؤها إلى الداعية الأولى التي حدثت في العبد لا من العبد بل من الله، وثبت أن عند حدوث الداعية يجب الفعل، وعلى هذا التقدير فالكل من الله، وهذا يمنع من تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، فثبت أن ظاهر هذه الآية من المتشابهات لا من المحاكمات، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن في الارض جَمِيعًا} [المائدة: 17] وذلك نص صريح في أنه يحسن من الله كل شيء ولا يتوقف خلقه وحكمه على رعاية المصالح. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {أَوْ فَسَادٍ في الأرض} قال الزجاج: إنه معطوف على قوله: {نَفْسٌ} والتقدير من قتل نفسًا بغير نفس أو بغير فساد في الأرض، وإنما قال تعالى ذلك لأن القتل يحل لأسباب كثيرة، منها القصاص وهو المراد بقوله: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الارض} ومنها الكفر مع الحراب، ومنها الكفر بعد الإيمان، ومنها قطع الطريق وهو المراد بقوله تعالى بعد هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] فجمع تعالى كل هذه الوجوه في قوله: {أَوْ فَسَادٍ في الأرض}. اهـ.
وقال الفخر:
قوله: {فكأنما قتل الناس جميعًا} وفيه إشكال.
وهو أن قتل النفس الواحدة كيف يكون مساويًا لقتل جميع الناس، فإن من الممتنع أن يكون الجزء مساويًا للكل، وذكر المفسرون بسبب هذا السؤال وجوهًا من الجواب وهي بأسرها مبنية على مقدمة واحدة وهي أن تشبيه أحد الشيئين بالآخر لا يقتضي الحكم بمشابهتهما من كل الوجوه، لأن قولنا: هذا يشبه ذاك أعم من قولنا: إنه يشبهه من كل الوجوه، أو من بعض الوجوه، وإذا ظهرت صحة هذه المقدمة فنقول: الجواب من وجوه: الأول: المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه، يعني كما أن قتل كل الخلق أمر مستعظم عند كل أحد، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مستعظمًا مهيبًا فالمقصود مشاركتهما في الاستعظام، لا بيان مشاركتهما في مقدار الاستعظام، وكيف لا يكون مستعظمًا وقد قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
الوجه الثاني في الجواب: هو أن جميع الناس لو علموا من إنسان واحد أنه يقصد قتلهم بأجمعهم فلا شك أنهم يدفعونه دفعًا لا يمكنه تحصيل مقصوده، فكذلك إذا علموا منه أنه يقصد قتل إنسان واحد معين يجب أن يكون جدهم واجتهادهم في منعه عن قتل ذلك الإنسان مثل جدهم واجتهادهم في الصورة الأولى.
الوجه الثالث في الجواب: وهو أنه لما أقدم على القتل العمد العدوان فقد رجّح داعية الشهوة والغضب على داعية الطاعة، ومتى كان الأمر كذلك كان هذا الترجيح حاصلًا بالنسبة إلى كل واحد، فكان في قلبه أن كل أحد نازعه في شيء من مطالبه فإنه لو قدر عليه لقتله، ونيّة المؤمن في الخيرات خير من عمله، فكذلك نيّة المؤمن في الشرور شر من عمله، فيصير المعنى: ومن يقتل إنسانًا قتلًا عمدًا عدوانًا فكأنما قتل جميع الناس، وهذه الأجوبة الثلاثة حسنة. اهـ.

.قال الماوردي:

{فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} فيه ستة تأويلات:
أحدها: يعني من قتل نبيًا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شد على يد نبى أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعًا، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: معناه فكأنما قتل الناس جميعًا عند المقتول، ومن أحياها فاستنفذها من هلكة، فكأنما أحيا الناس جميعًا عند المستنفذ، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث: معناه أن قاتل النفس المحرمة يجب عليه من القود والقصاص مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعًا، ومن أحياها بالعفو عن القاتل، أعطاه الله من الأجر مثل ما لو أحيا الناس جميعًا، وهذا قول ابن زيد وأبيه. والرابع: معناه أن قاتل النفس المحرمة يَصْلَى النار كما يَصْلاها لو قتل الناس جيمعًا، ومن أحياها، يعني سلم من قتلها، فكأنما سلم من قتل الناس جميعًا، وهذا قول مجاهد.
والخامس: أن على جميع الناس «جناية القتل» كما لو قتلهم جميعًا، ومن أحياها بإنجائها من غرق أو حرق أو هلكة، فعليهم شكره كما لو أحياهم جميعًا. والسادس: أن الله تعالى عظم أجرها ووزرها فإحياؤها يكون بمالك أو عفوك، وهذا قول الحسن، وقتادة. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا} اضطرب لفظ المفسرين في ترتيب هذا التشبيه لأجل أن عقاب من قتل جميعًا أكثر من عقاب من قتل واحدًا؛ فروي عن ابن عباس أنه قال: المعنى من قتل نبيًا أو إمامًا عدل فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياه بأن شدّ عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعًا.
وعنه أيضًا أنه قال: المعنى من قتل نفسًا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعًا، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفًا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعًا.
وعنه أيضًا؛ المعنى فكأنما قتل الناس جميعًا عند المقتول، ومن أحياها واستنقذها من هَلَكَة فكأنما أحيا الناس جميعًا عند المستنقذ.
وقال مجاهد: المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدًا جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا؛ يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يُزَد على ذلك، ومن لم يقتل فقد حَيِيَ الناس منه.
وقال ابن زيد: المعنى أن من قتل نفسًا فيلزمه من القَوَد والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعًا، قال: ومن أحياها أي من عفا عمن وجب له قتله؛ وقاله الحسن أيضًا؛ أي هو العفو بعد المقدرة.
وقيل: المعنى أن من قتل نفسًا فالمؤمنون كلهم خُصَماؤه؛ لأنه قد وَتَر الجميع، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، أي يجب على الكل شكره.
وقيل: جَعَل إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع؛ وله أن يحكم بما يريد.
وقيل: كان هذا مختصًا ببني إسرائيل تغليظًا عليهم.
قال ابن عطية: وعلى الجملة فالتشبيه على ما قيل واقع كلّه، والمنتهك في واحد ملحوظ بعين منتهك الجميع؛ ومثاله رجلان حلفا على شجرتين ألاَّ يَطْعَمَا من ثمرهما شيئًا، فَطعِم أحدهما واحدة من ثمر شجرته، وطَعِم الآخر ثمر شجرته كلّها، فقد استويا في الحِنْث.
وقيل: المعنى أن من استحل واحدًا فقد استحل الجميع؛ لأنه أنكر الشرع. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا} لاشتراك الفعلين في هتك حرمة الدماء والاستعصاء على الله تعالى والتجبر على القتل في استتباع القود واستجلاب غضب الله تعالى العظيم.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أن هذا التشبيه عند المقتول كما أن التشبيه الآتي عند المستنقذ، والأول أولى وأنسب للغرض المسوق له التشبيه، وقرئ أو فسادًا بالنصب بتقدير أو عمل فسادًا أو فسد فسادًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

والذي أراه أن التشبيه بالشيء تقريبٌ منه، لأنه لا يجوز أن يكون إِثم قاتل شخصين كإثم قاتل شخص، وإِنما وقع التشبيه ب {كأنما}، لأن جميع الخلائِق من شخص واحد، فالمقتول يتصوّر منه نشر عدد الخلق كلِّهم. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وَمَنْ أحياها فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} المراد من إحياء النفس تخليصها عن المهلكات: مثل الحرق والغرق والجوع المفرط والبرد والحر المفرطين، والكلام في أن إحياء النفس الواحدة مثل إحياء النفوس على قياس ما قررناه في أن قتل النفس الواحدة مثل قتل النفوس. اهـ.

.قال القرطبي:

وفي قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} تجوّز؛ فإنه عبارة عن الترك والإنقاذ من هَلَكَة، وإلا فالإحياء حقيقة الذي هو الاختراع إنما هو لله تعالى.
وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمروذ اللعين: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] فسمّى التّرك إحياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَنْ أحياها} أي تسبب لبقاء نفس واحدة موصوفة بعدم ما ذكر من القتل والفساد إما بنهي قاتلها عن قتلها.
أو استنقاذها من سائر أسباب الهلكة بوجه من الوجوه {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقيل: المراد ومن أعان على استيفاء القصاص فكأنما الخ، و{مَا} في الموضعين كافة مهيئة لوقوع الفعل بعدها، و{جَمِيعًا} حال من {الناس} أو تأكيد، وفائدة التشبيه الترهيب والردع عن قتل نفس واحدة بتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب والتحضيض على إحيائها بتصويره بصورة إحياء جميع الناس. اهـ.